الامام خمینی
ولعل الاشارات التی قدمها سماحة السید
محمد حسین فضل الله عن ابعاد الصحوة الاسلامیة خیر معنى على تفهم الابعاد
الرسالیة لوصیة الامام الخمینی (قده).
یرى سماحته أن "الوضع
الإسلامی کان یعیش حالاً من الرکود فی حرکیته. کان الفکر غارقاً فی الکثیر
من الهوامش والتفاصیل التی تأکل حیویته، لأن المسألة کانت تتحرک فی ذهنیة
التراث لا فی ذهنیة الحرکة. وکانت مسألة مواجهته لمشاکل الحیاة على مستوى
الواقع غارقةً فی الضباب الذهنی الذی فرضته الأفکار الجدلیة التی لا تنفتح
على آفاق النور فی موقع، إلاَّ لتحاصرها الظلمة فی موقعٍ آخر.
وهذا
ما جعل بعضهم یطرح الإسلام فی دائرة العبادیات والأخلاقیات العامة
والتشریعات الفردیة بعیداً عن مسائل الحیاة العامة فی نطاق المسؤولیات
السیاسیة والجهادیة، کما جعل بعضاً آخر یطرح تجمید الإسلام فی حرکیته – مع
اعترافه بشمولیته – انتظاراً لآخر الزمان، لأن الظروف الحاضرة تمنع شرعیته،
ویرى فریق ثالث أن مسألة الحدیث عن الإسلام الشمولی قد تجاوزها الزمن، لأن
المراحل الزمنیة التی قطعها الإنسان ربطته بأوضاع جدیدةٍ لم یواجهها
الإسلام فی مرحلة نشوئه وحرکته السابقة. وهذا ما یفرض علیه أن یتخلى عن
دوره للأفکار الجدیدة التی تتسع لمشاکل الإنسان الجدیدة، لیکون الإسلام
مصدر إلهام فی أفکاره وقیمه العامة، بدلاً من أن یکون مصدراً للعقیدة
بتفاصیلها، أو للشریعة بشمولیتها، ویقف إلى جانب ذلک فکرٌ إسلامی یعمل على
الهروب من الغیب. وقد انطلق – مع هذا الفکر التوفیقی – فکر حرکیٌّ على
أنقاض الفکر المتخلف الذی یُبعد الإسلام عن الحیاة وفی مواجهة الصدمة
الکبیرة التی انسحب فیها الإسلام من مواقع الحکم والتشریع من خلال الهجمة
الشرسة على الإسلام فی قواعده السیاسیة التی قادها الاستکبار العالمی
الغربی القائم على الکفر والانحراف، لتقود المسلمین إلى الفکر المتحرک فی
النطاق الوطنی أو القومی، بعیداً عن النطاق الإسلامی".
ثم جاءت
الثورة الإسلامیة التی قادها الإمام الخمینی (قده)، واستطاعت أن تتفاعل مع
محیطها الواسع بهدفها المرحلی، وهو إسقاط الحکم الامبراطوری الذی کان یمثل
الواجهة العریضة للسیطرة الاستکباریة الأمریکیة فی إیران، ویتحرک من أجل
إضعاف الروح الإسلامیة لحساب الروح الکافرة المرتبطة بالتاریخ القدیم
المنفتح على المجوسیة والزرداشتیة وغیرها...
وبالنسبة الى هدفها
الاستراتیجی بدأ أوج الصحوة الاسلامیة بالظهور بعد ان أرسى الامام الخمینی
فکرًا واسلوبًا جدیدین للحکم جمع فیه الدیمقراطیة والانفتاح والشریعة
الاسلامیة فاظهر نموذجًا حضاریًا للحکم تجلى فی النظام الثوری الذی قاده
الامام فی ایران وکان له اتعکاساته فی کامل اقطار العالم الاسلامی حیث کانت
الصدمة الایجابیة تفعل فعلها ضمن المجموعات والافراد من دون الحکومات التی
نأت بنفسها عن التاثر بها لتعارضها مع مصالحها المتناسبة مع الدکتاتوریة
من اجل جمع الثروات.
قام الامام الخمینی (قده) بکتابة وصیته
الخالدة ایمانًا منه باستمراریة نهجه وفکره لقناعته بجدارة الرجال الذین
وقفوا الى جانبه وتأکده من وصول الرسالة جیدًا الى قلوب وعقول الشبان فکانت
الاساس الاهم لاسس الصحوة الاسلامیة واعادة ترتیب للفکر الاسلامی على
النهج المحمدی الاصیل مطلقًا الصحوة الانسانیة عبر الاسلام ورسالته.
فی
بدایة الوصیة یبدا الامام بحدیث الثقلین عن الرسول الاکرم (ص) لیرسم
المبدا الاساسی للصحوة الاسلامیة وهو الاعتماد على الرسالة الاسلامیة التی
یدسترها القرآان الکریم ویقوننها النبی وآل بیته عبر السنة الشریفة وتعالیم
أهل بیت النبوة ومن هنا کانت البدایة عبر حدیث الثقلین واعتباره حجة على
البشریة.
وبعد ان لخص الامام المساوئ التی قام بها البشر وخصوصًا
الحکام منهم فی المقطع المعنون "عباد الانا والطواغیت استغلوا القرآن
الکریم" بدأ بتعداد وشرح اسس الصحوة الاسلامیة التی تعتمد على رکائز عدة
هی:
القرآن دستور للبشریة، وقد عرفه الامام بـ"الذی تنزّل من مقام
الاحدیة الشامخ الى الکشف التامّ المحمدی(ص) لارشاد العالمین ونقطة لجمع کل
المسلمین، بل للعائلة البشریة لیوصلها إلى حیث یجب أن تصل ویحرر ولیدة علم
الاسماء هذه من شر الشیاطین والطواغیت، ویحقق القسط والعدل فی العالم
ویسلم الحکومة بایدی اولیاء الله المعصومین علیهم صلوات الاولین والاخرین
لیسلموها لمن فیه صلاح البشریة" وقد دعا الى اعتماده دستورًا بشریًا ینظم
الحیاة على جمیع الاصعدة بعد ان تم تحییده وتغییبه عن الساحة. وبذلک تکون
الخطوة الاولى للصحوة الاسلامیة فی العودة الى القرآن وتعالیمه.
فخره
بائمتنا المعصومین علیهم السلام: بعد القرآن کانت دعوة الامام الى الفخر
بالأئمة المعصومین ملجأ المؤمنین للتخلص من عذابات القبر واللجوء الیهم
للشفاعة یوم الحساب فکانت دعوة الامام الى الفخر بمثابة ارشاد المؤمن
للتمثل بالائمة وافکارهم للسیر بالصحوة الاسلامیة وفاق کتاب "نهج البلاغة"
للامام علی(ع) بالذی عدّه " اعظم دستور للحیاة المادیة والمعنویة بعد
القرآن واسمى کتاب لتحریر البشر، وتعالیمه المعنویة والحکومیة وارقى نهج
للنجاة".
فخره بالنساء الزینبیات: کما اعطى الامام حیزًا مهمًا
للنساء فی عملیة الصحوة الاسلامیة اذ دعا ایضًا للفخر بالنساء الزینبیات
ویکون بهذه التسمیة قد دعا نساء الاسلام الى التمثل بالسیدة زینب(ع) التی
یشهد التاریخ والعالم بدورها العظیم فی نشر واستمرار الاسلام وبان یتواجدوا
فی المیادین الثقافیة والاقتصادیة والعسکربة جنبًا الى جنب مع الرجال.
فخره
بعدائنا لامریکا الارهابیة: بعد ان حدد الدستور والنهج الاساسی للتمثل به
فی مسیرة الصحوة حدد الامام العدو لتکون بوصلة الهجوم سلیمة لا تشوبها
التباسات تقود المسلمین الى الاخطاء فدعا الى الفخر بالعداء للاستکبار
العالمی المتمثل بامریکا وحلیفتها الصهیونیة العالمیة اللتین تشوهان
وتحقران الانسانیة مقابل اهدافهما الدنیویة الدنیئة من رئاسات وسیطرات
اقتصادیة.
کانت دعوة الامام الى الشعوب المظلومة والشعب الایرانی الى الاحیاء الدائم لصلاة الجمعة –مظهر البعد السیاسی للاسلام- ومراسم عاشوراء –صرخة الحق القویة فی وجه الباطل والظالم.
بعد
ان تکلم الامام بالعام وحدد المبادئ الاساسیة لتنظیم الحیاة الاسلامیة
التی شکلت مبادئ الصحوة الاسلامیة والرکائز التی یجب ان تعتمد فی بناء او
اعادة تنظیم الامة الاسلامیة الصاحیة من کسل ورکود العصور الفاسدة السابقة،
تطرق الامام الى المسائل التفصیلیة والارشادات التطبیقیة لتنفیذ ما اوصى
به.
نذکر بعض العناوین والملخصات الصغیرة منها والتی اوصى فیها بما یأتی:
-
اعتبار "الثورة الاسلامیة هدیة غیبیة من اللّه تعالى"مع ما یحمله هذا
العنوان من وصیة اساسیة وهی حفظ الثورة وانجازاتها ومتابعة مسیرتها لانها
هدیة من الباری "عز وجل".
- اعتماد "الحکومة الاسلامیة وسعادة الدارین"
المبد الأساسی فی الحکم على ان تطبق هذه الحکومة الشریعة الاسلامیة بجمیع
تجلیاتها التی تسعد المسلم وتؤمن له حقوقه وتسهل حیاته.
- الایمان القوی بـ"الدافع الالهی ووحدة الکلمة" لانهما سرّ النصر والطریقة الاقوى للنجاح.
-
التنبه من "مؤامرة القرن الکبرى" التی تستهدف الاسلام وتحاول تشویه صورته
وتخفیض قیمته عبر العمر الزمنی الذی مر علیه موضحًا الاهمیة الالهیة
المبارکة لهذا الدستور وکیفیة تعامله مع الاحداث الجدیدة.
- التنبه من
"خطر الشائعات والنقد الهدام" اللذین یهدفان الى الفتنة وحبک المؤامرات
التی تستهدف وحدة الصف وتسعى الى الاقتتال بین المسلمین عبر اختلاق الاخبار
الکاذبة او تحویر الصحیح منها لتزرع الشک والریبة عند بعض اصحاب النفوس
الضعیفة.
- التوجه بـ"نصیحة مشفقة للمعارضین" بان یفکروا بحریة وحیاد فى دعایات اولئک الذین یریدون ان تسقط الجمهوریة الاسلامیة
- الى "الشعوب" ان یحفظوا انجازات الثورة الایرانیة واعتمادها قدوة لهم فی الدول المبتلاة بالحکومات الفاسدة والاسیرة للقوى الکبرى.
بعد
ان توجه الامام فی مخاطبته وتوصیته الشعوب الاسلامیة کافة انتقل الى الشعب
الایرانی واوصاه بالحفاظ على الانجازات والتنبه من المخاطر الذین فصلهما
تفصیلاً دقیقًا.
ان الصحوة الاسلامیة هی ضرورة فی کل زمن وفی کل
وقت ممکن ویجب ان تستمر الاجیال والشعوب فی عقد مؤتمراتها والتواصل الدائم
مع کافة المسلمین فی اقطار العالم لیصلوا الى وعی وصحوة شاملین یوصلون
الامة الاسلامیة الى بر الامان ویبعدونها عن الاقتتال والتمذهب وراء
العصبیة والتشدد اللتان تولدان تشدد وعصببیة مقابلین لتکون النتیجة عنف
وعنف مضاد فانهیار للامة واهدافها وسیطرة الآخرون علیها وعلى مقدراتها.
ولعل الاسس والمبادئ التی ارساها الامام الخمینی(قده) فی وصیته الخالدة خیر
مرجع یستعان به ویؤسس علیه لاستکمال المسیرة.
واجمل ما انهى به
الامام وصیته، ما توجه به الى مستضعفی العالم بقول لا یعوزه الشرح "یجب الا
تجلسوا بانتظار ان یاتی حکام بلدکم، ومن یعنیهم الامر او القوى الاجنبیة
ویجلبوا الاستقلال والحریة هدیة لکم.
نحن وانتم شاهدنا - على الاقل
فی هذه المئة سنة الاخیرة - التی دخلت فیها اقدام القوى العالمیة الکبرى
بالتدریج الى جمیع البلاد الاسلامیة وسائر البلاد الصغیرة.. شاهدنا
وشاهدتم، او حدثتنا به التواریخ الصحیحة ان ایا من الدول الحاکمة فی هذه
البلاد، لم تکن - ولیست - تفکر بحریة شعوبها واستقلالها".